المسيح ومريم من الميلاد إلى الصلب..

عام 1900 سُئل ديغا ومونيه عن الفنان الذي يعتقدان أنه أكبر رسام في القرن التاسع عشر؛ فكان جوابهم هو 《وليام بوغويرو》

ولوحتي «بيتا – Pieta» و «مادونا الزنابق- The Madonna of the Lilies» تعدان سبباً كافية لذلك، يمثل فيهم «ويليام أدولف بوغويرو» رحلة المسيح والعذراء من الميلاد إلى الصلب.

نبدأ من الميلاد؛ رسمت «مادونا الزنابق» عام 1899 وهي تصور رقيق من الأسلوب الواقعي مليء بالحياة والحركة يجذب عينك على الفور إلى الأم الشابة التي تحمل طفلها بحنان بالغ وأمل، وتصور مادونا/مريم جالسة كما هي في الأيقونات الدينية منذ القرن الخامس عشر وتحمل طفلها الوليد بمحبة بينما يمد يده إلى المشاهد والسماء وتحيط الزنابق البيضاء حول عرشها في رمز واضح إلى العفة والنقاء.

قضى بوغويرو سنوات مراهقته مع عمه في مدينة «مورتان سور جيرون» الفرنسية وتم تشجيعه على دراسة الموضوعات الكلاسيكية بما في ذلك الأساطير والدين. بالإضافة إلى ذلك كان لدى الفنان الشاب فرصة كبيرة لاستكشاف الريف المحيط حيث درس جمال الطبيعة بإسهاب وهو ما يظهر في رسم الزنابق الرقيقة الوادعة والألوان الساطعة، الصارخة بالمحبة والأمل في بداية الرحلة المقدسة.

وتعطي تقنية بناء الألوان في طبقات متتالية جودة مبهرة لجميع لوحات بوغويرو فنرى شخصياته مليئة بدفء الحياة، في حين أن عددًا صغيرًا فقط من لوحات بوغويرو ذات طابع ديني إلا أنه رسم مريم العذراء عدة مرات فقد رسم «مادونا الورود» و«العذراء المعزية» لاحقًا.
……

يأخذنا الفنان بعدها إلى نهاية الرحلة العظيمة للأم وطفلها بعد سنوات العطاء والجهاد والمقاومة ولأول وهلة قد يتصور المشاهد أن اللوحتين يتبعان تقاليد الفن المسيحي الثابتة لكن نظرة واحدة متمعنة تكشف تفاصل أكثر عمقًا وأبعد ما يكون عن الفن المسيحي التقليدي.

إن الجسد المكسور بين ذراعي مريم يقود العين إلى وجهها.. هذا ليس وجه عبدًا مذعنًا لأم تحمل ابنها بتواضع؛ العيون الحمراء مفعمة بالحيوية تحدق فينا من اللوحة لا تعبر عن القبول والرضا ولكن عن الغضب وعدم الفهم وحتى بعض الكفر، تتسأل الأم لماذا أُخذ ابنها الوحيد منها. هذه اللوحة ليست تصويرًا لحدث ديني مجرد لكنها صرخة. وتصوير للحدث الأكثر حدة ودمرًا في حياة الأباء مريم وأبنها والفنان ذاته الذي فقد ابنه الأكبر جورج في وقت سابق لرسم اللوحة.

عندما توفي جورج في سن السادسة عشرة عام 1875 غرق الفنان في حزن عميق لمدة ستة أشهر ومن أجل الهروب من تلك الحالة ، قرر أن يرسم عملاً من شأنه أن يوضح مشاعره وحزنه وأن يكون تذكارًا لابنه الميت؛ فرسم بييتا عام 1876، و تأتي القوة الاستثنائية لهذه اللوحة من الديناميكية التي نشأت بين التقنيات الكلاسيكية التي يستخدمها الفنان والقوة الأولية لعواطفه، والشخصيات المصورة في هذا الحدث الرهيب من مريم والمسيح والملائكة كلهم شخصيات فردية تظهر ردود فردية عنيفة و ماري/مريم هي في المقام الأول أم فقدت ابنها الوحيد.

هذا التمثيل الشخصي لمشاعر اليأس الغامرة للأب المكلوم الحائر يتم احتواؤها وتركيزها في إطار الفن كلاسيكي. فشكلية البناء كاملة تمامًا : من قوس الملائكة التقليدي حول العذراء، إلى إبريق النبيذ المرسوم بواقعية شديدة كلها عناصر تمكّن المشاهد من الشعور بالألم والحسرة بدون الوقوع فيهما.

لذا هذه ليست لوحة دينية تقليدية لموت المسيح – هذا هو نقل لواقع الألم والفقد والأمومة…

تم بيع The Pieta بمبلغ 2,777,500 دولار عام 2010.

الفنان: «ويليام أدولف بوغويرو-William Adolphe Bouguereau»
اللوحة الأولى: «مادونا الزنابق- The Madonna of the Lilies»
عام: 1899
اللوحة الثانية: «بيتا – Pieta»
عام: 1876
الخامة: زيت على توال
المدرسة: «الكلاسيكية الحديثة-Neoclassicism»

2٬677 تعليقا على “المسيح ومريم من الميلاد إلى الصلب..”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *