ديلاكروا ثائرًا

هي الثورة تجسدت كفتاة جميلة زادها النضال جمال، تقود الجموع تارة للمجد وتارة لهزيمة لاتزيد الجمع إلا شرفًا، كرًا وفر وتضحيات، رجال ونساء من كل نوع يجمعهم لواء الحرية ويحيطهم فجرًا يكاد يشرق بالنصر إذا التزم القوم موقفهم.

يبدو أمامنا النور كأنه في معركة موازية مع الظلام يزيحهُ عنوة من السماء لنرى أبخرة البارود تنقشع عن الموتى والأحياء سواء في مشهد تكرر على طول التاريخ الإنساني فطالما الظلم موجود على الأرض تبقى الثورة قائمة تحمل علم الوطن وتحدث من يسمع، إذا قُتل الثوار سيولد آخرون فلا تيأس.

«رغم أني لم أحارب من أجل بلادي، على الأقل سأرسم من أجلها… لقد أعادت لي -الثورة- معنوياتي»

هكذا صور«يوجين ديلاكروا» رائعته التاريخية الخالدة «الحرية تقود الجماهير» التي قد تكون أعظم تجسيد للثورة والنصر في تاريخ الفن، مستوحاة من انتفاضة «الثلاث أيام العظام»الفرنسية 27 و28 و29 يوليو عام 1830، وتعامل حتى الآن كتجسيد للروح الوطنية الفرنسية.

أراد ديلاكروا أن يشارك في الثورة عن طريق فنه فنراه استخدم فرشاته كسلاح بضربات متلاحقة عنيفة بعضها طويل وثابت وبعضها قصير متقطع لخلق حالة فنية لا تُنسى تعبر عن روح المشهد بدقة.
كما استخدم التكوين الهرمي المتزن ليعطي ثبات ورسوخ للمشهد فالشخصية الرئيسية التي تمثل الحرية التي تقاتل من أجلها الجماهير على قمة الهرم، يتبعها جموع المقاتلين كجسد الهرم، وقاعدته هم أولئك الذين لقوا حتفهم من أجل قضيتهم وبلدهم.

استخدام ديلاكروا ألوان العلم الفرنسي بكثرة وتكرار للتأكيد على قوة فرنسا وقوة شعبها، كما كرر لون الفستان الأصفر الذي ترتديه الحرية في ملابس الشخصيات الأخرى للتعبير عن الوحدة.

ترتدي الشخصية الرئيسية فستان ممزق للتعبير عن آلام النضال وصعوبته كما ترتدي قبعة تماثل ما كان يرتديه العبيد المحررين حديثًا في روما القديمة، أُعيد استخدام قبعة التحرر لاحقًا كرمز في العديد من الثورات في أوروبا والولايات المتحدة.

كما استخدم ديلاكروا الإضاءة كأداة تعبيرية أخرى، فنراه يسلط الضوء على «العلم والحرية والشهداء» للتأكيد على مكانتهم و استحضار مشاعر القوة والحرية والانتصار.

لم تكن تلك اللوحة مُتاحة للعرض العام خلال عهد الملك لمحتواها السياسي، كما لم يستقبلها النقاد المعاصرون جيدًا فلم يرحبوا بمزج ديلاكروا بين الواقعية والرمزية وبين الخيال والتوثيق التاريخي فكان ذلك فكر متقدم بالنسبة لعصره.
عُرضت اللوحة بعد وفاة الفنان في متحف لوكسمبورج عام 1863، ثم نُقلت إلى متحف اللوفر بعد 11 عاما!.

اسم العمل: «الحرية تق،د الجماهير-Liberty Leading the People»
اسم الفنان: «يوجين ديلاكروا-Eugene Delacroix»
المدرسة: «الرومانسية-Romanticism»
زيت على توال /عام 1830
260 × 325 سم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *