لوحة العشاء الأخير…أحد أشهر اللوحات في التاريخ والتي يقال أنها تمثل جزء من الوعي الإنساني؛ فمن الصعب أن تقرأ عبارة «العشا الأخير للمسيح» بدون ان تقفز هذه اللوحة إلى عقلك فورًا.
وهي تقع على جدار خلفي ضخم بمساحة حوالي 4.5× 9 متر، في دير«سانتا ماريا ديل جرازي- Dominican convent of Santa Maria delle Grazie» بميلانو إيطاليا، ورغم انها مرسومة مباشرةً على جدار غرفة الطعام في الدير إلا أن دافنشي لم يستخدم لرسمها تقنية الفريسكو المتعارف عليها في رسم الحوائط؛ لانه وجد ان تقنية الفريسكو تحتاج سرعة في العمل لن تتيح له رسم جميع التفاصيل التي يريدها لجعل اللوحة مثالية كما يرغب، لذلك ومن أجل قضاء كل الوقت الذي يحتاجه لإكمال كافة التفاصيل ، ابتكر دا فينشي أسلوبه الخاص، باستخدام اصباغ التمبرا على الجدار الحجري مباشرة ثم عزل الجدار بمواد خاصة كان يأمل في أن تحميه من الحرارة والرطوبة، كما استخدم دافنشي مسمار وضعه في وسط الجدار ليستخدمه في بناء المنظور ذو النقطة الواحدة المميز للغاية في العمل.
أراد دا فينشي هنا رصد واحدة من أكثر اللحظات الدرامية في قصة السيد المسيح؛ أثناء العشاء الأخير للسيد المسيح قبل القبض عليه وحوله الحواريين (الرسل) الإثنى عشر، مباشرة بعد لحظة كشف المسيح أن أحد أصدقائه سيخونه… يمثل دافنشي بعبقرية مذهلة ردود الأفعال والصدمة والغضب على الأوجه والحركة المضطربة كأن الصاعقة قد ضربتهم جميعًا.
في رواية دافنشي تحدث هذه اللحظة قبل تقديم القربان المقدس مباشرةً، مع وصول المسيح للخبز والنبيذ اللذان سيظلان الرمزان الرئيسيان لهذه اللحظة فيما بعد، ويقال أن جميع الرسل المرسومين حول المسيح مرسومين عن نماذج حقيقية اختارهم دافنشي بنفسه وعندما أراد أن يرسم الخائن يهوذا فتش دافنشي عن مجرم ذو ملامح أثمة في جميع سجون ميلانو حتى وجد ذلك الوغد المرسوم أمامنا.
وبسبب شهرة اللوحة هناك تفسيرات لا نهائية لكل جزء منها؛ من الملح المسكوب أمام يهوذا والذي يمثل الخيانة أو سوء الحظ -مازال سكب الملح يمثل سوء الحظ في العديد من الثقافات- كما أن تفسير السمكة متضارب كذلك فيقول البعض أنها «ثعبان البحر-Eel» وتمثل التلقين وبالتالي الإيمان بالمسيح، ويراها البعض سمكة الرنجة وترمز إلى غير المؤمن الذي ينكر الدين، كما أن هناك تفاسير متعددة للشخصيات المرسومة فبعضهم يقول أن مريم المجدلية مرسومة بجانب المسيح وليست احد الرسل لكن تلك كلها أقاويل غير موثقة.
كان هذا العمل ثوري للغاية وقت تقديمة فقبل ذلك كان الرسل يرسمون منفردين كتمائم دينية بدون أي تعابير ولا حركة ألا وضع الصلاة و التأمل، هنا نجدهم بشر حقيقيون يغضبون ويتحركون ويتناقشون فيما بينهم.
وبسبب استخدام دافنشي أصباغ تجريبية على الجدار مباشرة بدأ الطلاء في التقشر عن الجدار حتى قبل الانتهاء منه فأصلحه دافنشي وقتها لكن استمر الجدار في التقشر بعدها بفعل عوامل الزمن، والأحداث المؤسفة التي مرت بالمدينة ؛ كاستخدام قوات نابليون المزعوم للجدار للتدريب على التصويب! وضرب النازيين لسقف الغرفة بالقنابل عام 1943 أثناء الحرب العالمية الثانية والذي ترك الجدارية تحت رحمة العوامل الجوية لبعض الوقت.
لذا لم يتبق الكثير من اللوحة الأصلية اليوم للأسف وما نراه الآن ما هو غير الإصلاحات المتكررة للجدارية بأقل القليل من ضربات فرشاة دافنشي الاصلية لكن بنفس البناء والتحركات وتوزيع الشخصيات ومعظم الملامح كما وضعها دافنشي تماما؛ بسبب إقدام ثلاثة من طلاب دافينشي على نسخً لوحاته في أوائل القرن السادس عشر. فقد قام الفنان «جمبيترينو- Giampietrino» بعمل نسخة زيتية على القماش موجودة الآن في الأكاديمية الملكية للفنون في لندن، وهي المصدر الأساسي لأحدث أعمال الترميم، النسخة الثانية للفنان «أندريا سولاري» موجودة في متحف ليوناردو دافنشي في بلجيكا، بينما النسخة الثالثة «لسيزار دا سيستو» موجودة في كنيسة سانت امبروجيو في سويسرا.
اسم العمل: «العشاء الأخير – The Last Supper»
الفنان: «ليوناردو دافنشي-Leonardo da Vinci»
المدرسة: عصر النهضة الذهبي.
الخامة: أصباغ التمبرا على جدار صخري معزول
تاريخ البدء والانتهاء من العمل: 1490-1495م
الابعاد: 460 × 880 سم
تم نشر المقال بتاريخ ٢/٤/٢٠١٨ على صفحة الأكاديمية بوست على فيس بوك
مصادر: