القُبلة؛ كيف تشتري عمل فني لا يقدر بثمن؟

مغمضة العينين تغيب الفتاة في القُبلة الساحرة فتلمس يدَها عُنق حبيبها برقة بتلات الورود، وتلتف أجزاء جسديهما كلً حول رفيقهُ فلا تعرف أين يبدأ العاشق وأين ينتهي، فيما ينهمر الحب حولهما ذهبيًا متألقًا يكاد يعمي الأبصار.

قُبلة الفنان النمساوي «جوستاف كليمت» هي واحدة أغلى الأعمال الفنية في العالم ومن أكثرها شهرة وآنتشارًا شعبيًا على الأطلاق. وهي واحدة من أعمال الفنان «الذهبية» المرسومة بأوراق الذهب والفضة في أشكال هندسية مسطحة، لكنها متلألئة وآسرة…

الفنان جوستاف كليمت

رسمت هذه اللوحة بعد سلسلة رسوم اسقف جامعة فيينا التي خلفت فضيحة وانتقادات واسعة حيث وصفت بأنها تحتوي على رسوم إباحية وانحرافات أخلاقية لكن جوستاف رفض إعادة صياغتها لمناهضة السلطوية الشعبية على الفن (تحكم الجمهور في الفنان) ثم رسم قُبلته الشهيرة التي تحتوي علي مزيد من المعاني الحسية التي يرفضها المجتمع. وقد كان كليمت ذو ال45 عامًا لا يزال يعيش مع والدته وأثنان من الأخوات خلف قناع من الاحترام والعفة فيما كان رجلً ذو شهوة كثير النزوات وغارق في الملذات الحسية والجنسية حتى أنه كان ابًا لثلاثة أطفال غير شرعيين على أقل تقدير.

«إذا كنت لا تستطيع إرضاء الجميع بأعمالك الفنية، فحاول إرضاء القليلين».

تنقل لنا القبلة بعض من ولع الفنان بالإثارة الجنسية؛ فالعاشقان متلاحمان في إحدى اللحظات الحميمة مستلقيان علي غطاء مزركش فيما يرتدي الرجل عباءة مزخرفة بمربعات متعددة الأحجام و ترتدي الفتاة فستان عليه دوائر تعبر عن انحناءات وأعضاء الجسد الأنثوي ويرتديان أكاليل من الغار والزهور على رأسيهما التي تحيط بها الهالات، فيما تذوب خلفية اللوحة في بريق ورق الذهب بلا تفاصيل لصب جَمّ الاهتمام علي شخصيات البطلين.

كما صورهما الفنان بهالة من التقديس مماثلة للرسوم الدينية البيزنطية التي استوحى منها أسلوبه؛ النمط المسطح ل«الموزاييك/الفسيفساء» والهالات الذهبية حول الشخصيات وأكاليل الغار والزخارف الهندسية والعضوية وجميعها من مميزات الفن البيزنطي وفن العصر البرونزي، كما أن وجود الشخصيات قرب إطار اللوحة العلوي منافي تمامًا لتقاليد الفن الغربي و يماثل الفن الياباني القديم.

اللوحة مرسومة بالوان الزيت التقليدية بالإضافة لطبقات من أوراق الذهب؛ وهو ما يعطيها مظهرها المذهل الأسر، ونرى هنا نمط البناء الخطي المميز لمدرسة «الفن الحديث- Art Nouveau »، فقد بدأ استخدام كليمت للذهب بعد رحلة قام بها إلى إيطاليا في عام 1903 شاهد فيها الفسيفساء البيزنطية بكنيسة سان فيتالي ففكر أن تسطيح الرؤية وانعدام المنظور والعمق في أعمال الفسيفساء عزز من تألقها الذهبي فبدأ في استخدام أوراق الذهب والفضة بشكل غير مسبوق في عمله أو أعمال الفنانين الحداثيين الاخريين.

تم تكريم «القبلة» بوضعها على ظهر عملة الـ 100 يورو النمساوي في 5 نوفمبر 2003
(تم صك 30،000 عملة فقط لهواة الفن وجامعي العملات).

عام 1908 إشترى «متحف بلفيدير- Belvedere Museum » اللوحة قبل حتى أن يضع عليها كليمت اللمسات الأخيرة ، لكن كيف تشتري عملا فنيا لم ينتهي بعد؟ يمكنك تقديم عرض لا يمكن رفضه؛ للحصول على هذه القطعة الفنية الفريدة دفع متحف بلفيدير 25 ألف كرونا وهو ما يعادل 240 ألف دولار اليوم، قبل هذه الصفقة كان أعلى سعر دفع ثمنًا للوحة فنية في النمسا هو 500 كرونا فقط آي أنهم دفعوا 50 ضعف لثمن أغلى لوحة!.

«كل الفن مثير/All art is erotic» جوستاف كليمت

لكن لا تُعد هذه الصفقة خاسرة فرغم أن متحف بلفدير لم يبيع اللوحة ابدا الا انه يقدر ان سعرها سيتجاوز بالتأكيد سعر أغلى لوحات كليمت سعرًا -[أقرأ عنها هنا ]- البالغ قيمتها 135 مليون دولار!.

أسم العمل: «القبلة – The kiss»
أسم الفنان: «جوستاف كليمت -Gustav Klimt»
المدرسة:« الفن الحديث/ الرمزية – Art Nouveau/ Symbolism »
عام 1907/08 – 180*180 سم – زيت وأوراق الذهب على توال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *