رعب في منزل الرجل الأصم

هذه القصة حقيقية تماما:
منزل مهجور علي التلال خارج مدريد يسكنه رجل عجوز وحيد أصم، ماذا يفعل هذا العجوز في الظلام على ضوء الشموع كل ليلة، أي هلاوس سوداء تملأ عقله وماذا يفعل غير أن ينقل لنا تلك الهلاوس لكي تؤرق ليالينا رعبًا كما أرقته.

《نوم المنطق يوقظ الوحوش/The Sleep of Reason Produces Monsters》

أسم المنزل «كينتا ديل سوردو/Quinta del Sordo» وتعني «منزل الرجل الأصم» ساكنه الوحيد كان الفنان فرانسيسكو دي جويا، الغريب أن المنزل كان يسمى منزل الرجل الأصم قبل أن يشتريه جويا لأن ساكنه السابق كان ايضاً أصم فلما انتقل جويا للمنزل فقد سمعه أيضا!

Quinta_del_Sordo_1900
بيت الرجل الأصم/ كينتا ديل سوردو في مدريد عام 1900 قبل هدمه عام 1909

《فرانسيسكو خوسيه دي جويا》 هو رسام إسباني من المدرسة الرومانسية بل هو أهم فنان إسباني من أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وكان طوال حياته المهنية الناجحة الطويلة فنانا ومؤرخاً لفنون عصره. ويوصف بأنه آخر الأساتذة القدامى وأول أساتذة المعاصرين.

ولد لعائلة متواضعة عام 1746 ودرس الرسم من سن الرابعة عشر تحت أشراف فنانين عظام معاصرين، ثم تزوج جوزيفا بايو عام 1773؛ لكن لسوء الحظ امتلئ زواجهم بحالات الحمل والإجهاض المتكررة، حتى نجا طفل واحد فقط.

عام 1786 أصبح جويا أحد رسامي التاج الإسباني الرسميين وتميز هذا الجزء من حياته بلوحات من الحياة الأرستقراطية والملكية الإسبانية والرسوم الكاريكاتورية المصممة للقصر الملكي.

فماذا حدث حتى يتغير أسلوبه الفني المشرق، المليء بالحيوية والتفاؤل لهذا الأسلوب القاتم المرعب؟

عام 1793 أصيب جويا بمرض شديد غير مشخص جعله يفقد سمعه وشغفه بالحياة ببطء، حتى عام 1793 عندما بدأ عمله يصبح أكثر قتامة وتشائما، لكن ذلك لم يمنعه من أن يصبح الرسام الأول للتاج الإسباني عام 1799 وهو اكبر منصب يمكن ان يشغله فنان في الدولة!

لكن عام 1807 قاد نابليون بونابرت الجيش الفرنسي في حرب ضد اسبانيا. وبقي غويا في مدريد خلال الحرب التي يبدو أنها أثرت عليه بعمق فقد كان يخشى مصير بلاده وصحته العقلية والبدنية. فبدأ يصور مجموعة من اللوحات عن المرضى والمجاذيب والسحرة والمخلوقات الخيالية والفساد الديني والسياسي، ذلك حتى عام 1819 عندما بدأ الهلع الحقيقي…

أشترى جويا المنزل في سبتمبر 1819، لكنه لم يبدأ برسم تلك اللوحات قبل العام التالي، بعد شفائه من المرض وفقدانه السمع كليا، تغيرت شخصيته تماماً كما تغير أسلوبه الفني، سيطرت الكآبة على الفنان جراء مرضه ووحداته والأحوال السياسية المضطربة في بلاده فبدأ يرسم علي حوائط منزله -بالطابق الأرضي والأول- رسوم غريبة يغلب عليها اللون الأسود والموضوعات المقبضة التي تعبر عن حالة من الهلع والرعب.

سميت تلك اللوحات بـ «اللوحات السوداء/The black paintings》وهي تخيلات وحشية قاتمة و مشاهد رهيبة لاجتماعات السحرة ورؤى مليئة بالأرواح الشريرة والأشباح ورجال ونساء عجائز يضحكون ضحكات شريرة هستيرية.

يجب أن تكون اللوحات قد انتهت بحلول 17 سبتمبر 1823، عندما تبرع جويا بالمنزل لحفيده البالغ من العمر 17 عاما، وبعدها بمدة قصيرة هرب جويا من أسبانيا وظل مختبئًا حتى وفاته ولم يعود لهذا المنزل مرة أخرى ابدًا.

لم يعطي جويا اي تفسير او اسماء لتلك المشاهد المروعة التي ملئت بيته -١٤ لوحة- لكن لأهميتها نقلت إلى قماش في عام 1873 وهي تعرض الآن في متحف 《برادو /Museo del Prado》في مدريد.

إحدى أشهر تلك اللوحات هي 《ساترن يفترس ابنه》صدق او لا تصدق رسم جويا هذه الأعجوبة بغرفة الطعام! حتى يأكل أمامها يوميًا!، وهي تمثل أسطورة الإله الروماني 《ساترن/زحل》 الذي كان يخشى أن أطفاله سوف يقتلونه يوما ويستولون على عرشه فكان يأكل كل واحد منهم عند ولادته، و يغلب عليها الطابع الأسطوري الروماني والألوان القاتمة والأسلوب نافذ الصبر الذي سيطر على جميع اللوحات، كأن الفنان يريد أن يخرج هذه الهلاوس رأسه بأسرع وقت وبأي طريقة ممكنة.

ساترن يفترس ابنه

أسم العمل: 《ساترن يفترس ابنه/Saturn Devouring His Son》
أسم الفنان:《 فرانشيسكو جويا/Francisco Goya》
المدرسة: 《الرومانسية/Romanticism》
عام 1819-1823 زيت على توال : 146×83 سم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *