«فخلق اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ» سفر التكوين 1
«إِذ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ» سورة ص
استغرق الفنان العظيم مايكل أنجلو ما يقرب من أربع سنوات معلقًاعلى سقالات خشبية قرب سقف كنيسة سيستين في الفاتيكان كي يزينها بقطعًا من الابداع قليلًا ما نجد مثيلها في التاريخ الإنساني.
كان مايكل أنجلو قد كُلف في الأصل برسم الرسل الاثني عشر على المثلثات الثلاثية التي تدعم سقف الكنيسة، وتغطية الجزء المركزي من السقف بالزخارف، لكن الفنان المبدع رفض أن يُملى عليه الالهام وأقنع البابا يوليوس أن يمنحه حرية وضع مخططًا مختلفًا وأكثر تعقيدًا يمثل … روح الإنسان.
بدأً من الخلق، ثم السقوط من الجنة إلى الأرض، ووعد الخلاص من خلال الأنبياء، ونسب المسيح، ووضعهم داخل إطار مخطط أكبر للكنيسة بالكامل بزخارف تمثل أغلب مفاهيم عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، ويمتد التكوين على أكثر من 500 متر مربع من السقف، ويحتوي على أكثر من 300 شخصية، في وسطها تسع حلقات من سفر التكوين.
«وجبل الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ ومن ثم نَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً» سفر التكوين 2
مقسمة إلى ثلاث مجموعات: خلق الله للأرض. خلق الله للبشرية وسقوطها من جنة الله. وأخيراً، حالة الإنسانية كما يمثلها نوح وعائلته. وعلى دعائم السقفِ رسم الإثنى عشر رجلَ وامرأة الذين تَنبّأوا بقدوم السيد المسيح؛ سبعة من أنبياء بني إسرائيل وخمسة عرافات، ومن بين أكثر اللوحات شهرة على هذا السقف لوحة «خلق آدم».
«ولقد خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» سورة الحجر
وفيها نرى على الجانب الأيسر آدم مستلق على ظهره بخمول من لم يمنح الروح بعد، وذراعه متكئة على الأرض، والذراع الأخرى ممدودة للأعلى لتلقي هبة الحياة؛ على الجانب الأيمن نجد الأله يحيط به إثنى عشر شخصية غير معروفة قد يكونوا ملائكة أو أروح بشر لم تخلق بعد، وهو يطفو فوق سحابة على خلفية من رداء أحمر.
انقسم المؤرخون والعلماء في تفسير الرداء فبعضهم يقول أنه يشبه تشريح المخ البشري وفي عام 1990 أشار مقال في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية إلى أن الرداء يماثل تشريح المخ البشري بدقة،؛ من الغشاء الخارجي والداخلي للمخ، وجذع الدماغ، والفص الجبهي، و الشريان القاعدي، والغدة النخامية والعصب البصري.
فيما يرى البعض أن نفس الرداء يمثل الرحم البشري وقد وصفه أحد مؤرخي الفن بأنه «عباءة رحمية» وأن الوشاح المعلق باللون الأخضر الملون قد يمثل الحبل السري المقطوع حديثًا. وفي الآونة الأخيرة نشرت مجموعة من الباحثين الإيطاليين في مجلة Mayo Clinic Proceedings مقالة تقارن صورة الوشاح وبصورة الرحم بعد الولادة. وفقا للباحث Enrico Bruschini عام 2004 «هذه فرضية مثيرة للاهتمام تقدم مشهد الخلق كتمثيل مثالي للميلاد الجسدي للإنسان -الخلق- وهو تفسير السرة التي تظهر على جسد آدم رغم أنه خلق لم يولد من امرأة».
«خلق الله (إلوهيم) البشر. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُ، وَبَارَكَهُ وَدَعَا اسْمَهُ آدَمَ…» التكوين 1
أما الإله نفسه فيمد يده نحو يد آدم وتوشك أصابعهم على اللمس فيما تسري شرارة الحياة من الله للإنسان دون أن يتلامسا -وقد يكون ذلك لتوضيح أن الخالق والمخلوق ليسو على نفس المستوى ولا يوجدو في نفس الحيز كي يتماسا- كما يبدو الإله شيخًا كبيرًا يعطي الانطباع بشخصية أبوية ولحية رمادية كبيرة لكن بجسد شاب قوي؛ مما يعطي انطباعاً بالسلطة، وهذا التصوير يختلف كثيراً عن الصور النموذجية للإلة في الفن المسيحي كملك غالباً ما يحكم من على عرش وهو ما كان شائعاً في الفن الغربي. هنا بدلًا من ملابس الملك هو يرتدي ثيابًا بسيطة تظهر ذراعه وساقيه.ويبدو أكثر شبهاً بالإنسان وأقل بعدًا عن البشرية وأكثر انخراطاً في الأحداث على الأرض.
«إِن مثل عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ» سورة آل عمران
رسم مايكل أنجلو هذا المشهد بألوان زاهية، وتفاصيل مذهلة؛ حيث تبدو خلفية مايكل أنجلو في النحت -وهو الذي ظل طوال حياته يعتبر نفسه نحات أولا- شديدة الوضح هنا في طريقة تجسيد عضلات جسم الإنسان التي تكاد تبرز خارج اللوحة كما نجد النظرة الفلسفية لمايكل أنجلو كأنقى ما يكون بهذا العمل فهناك أفكار عدة يطرحها العمل على سبيل المثال؛
- هل يمثل العمل محاولة التواصل بين الإنسان، والإلة ؟
- أم انفصالهم عن بعض في رمزية لاستقلال الإنسان بعد الخلق؟
- وهل خلقت روح حواء في نفس وقت خلق آدم؟ أم كفكرة لاحقة بعده؟
صور مايكل أنجلو أدم في وضع استرخاء أقرب للكسل كأنما الاله لم يهبه الحياة بعد، في حين يبدو الاله مفعم بالحيوية والحركة وسط عملية الخلق؛ لكن جسد أدم يعكس حركة جسد الإله ويشبهه لتمثيل أن الإله خلق أدم على صورته كما هو موضح في العقائد الإبراهيمية.
كذلك لا نعرف من هم باقي الأشخاص في اللوحة، قد يكونو مجرد ملائكه أو تكن المرأة هي حواء في انتظار دورها في الخلق لتلحق بزوجها في إشارة من مايكل أنجلو أنها لم تخلق مخلوق ثاني بعد أدم بل كانت جزء من المخطط منذ البداية، أو قد تكون هي مريم العذراء حينها يكن الطفل هو عيسى المسيح، وهو يشيح بوجهه لأنه يعرف أن أدم سوف يخطئ قريبًا.
«إِذقال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ» سورة ص
وفي النهاية هي رؤية فنان قد لا تكون صادقة أو دقيقة لكنها تجربة إبداع بشري يجب تأملها أولا واخيرا ك《عمل فني》 لإنسان سعى طوال حياته للكمال ولخدمة ما أمن به؛ دينه وفنه.
اسم العمل: «خلق آدم -The Creation of Adam»
الفنان: «مايكل أنجلو بوناروتي- Michelangelo Buonarroti»
الخامة: فريسكو
الأبعاد: 570 × 280
عام: 1512