النحات الأكثر إثارة للجدل في القرن العشرين، أحد فناني هتلر المفضلين ونحات ألمانيا النازية الأول، الرجل الذي رافق هتلر شخصيًا في العديد من أسفاره واستمع إلى اعتراف الشيطان بآثامه دون أن يُعارض جهرًا أو ينسحب من خدمة الديكتاتور، هل يكفي ذلك لننساه كليًا ونسقطهُ من تاريخ الفن؟
ماذا لو قُلت لك أن ذلك النازي نفسه قد أنقذ حياة أهم فناني العصر الحديث ومئات الآخرين، أو أنه أحد أعظم النحاتين في التاريخ بشهادة معاصريه، إذا لم تكن تؤمن بأهمية كل انسان على وجه الأرض؛ ملاك أو شيطان، يؤمن بما تؤمن به أو يكفر، ففكر مجدداً.
«إيكاروس الذي صنعته لن يسقط / My Icarus does not fall»
عام 1936 فاز «أرنو بريكر/Arno Breker» بالميدالية الفضية في مسابقة النحت لدورة الالعاب الاولمبية في برلين عن تمثال «النصر/victory» وتمثال«المقاتل العشري/Decathlete»، لأسباب دبلوماسية استخدم هتلر نفوذه لتذهب الميدالية الذهبية إلى إيطاليا لتقوية التحالف معها، على الرغم من أن القضاة كانوا يرغبون في إعطاء الميدالية الذهبية لبريكر.
كما حاز على ميدالية برلين للفنون الجميلة، والجائزة الكبرى من إيطاليا وعُين عضوًا في الأكاديمية البروسية للفنون الجميلة وعضو مجلس الشيوخ الثقافي ل«الرايخ/ألمانيا النازية» كما تلقى دعوة من ستالين شخصيًا للعمل في الاتحاد السوفيتي، ثم عين عام 1937 أستاذًا في كلية الفنون الجميلة في برلين وبناء على طلب صديقه النحات الفرنسي «تشارلز ديسبياو/Charles Despiau» أصبح عضوًا في لجنة التحكيم الدولية في المعرض العالمي في باريس، ورغم أن ديسبياو تم انتخابه بالإجماع ليكون رئيسا للجنة إلا أنه تنازل عن المنصب لبريكر.
صباح يوم 22 يونيو 1940 بعد توقيع الهدنة الفرنسية الألمانية تم نقل بريكر إلى مقر قيادة الرايخ حيث طلب منه هتلر أن يذهبا معًا لمشاهدة معالم باريس برفقة المهندسين المعماريين ألبرت سبير وهيرمان غيسلر قائلًا «أريد أن أكون محاط بالفنانين» وعندما سأله بريكر خلال الرحلة «لماذا تقوم بزيارة سرية إلى العاصمة الفرنسية، بدلًا من أن تدخلها بالموكب والعرض العسكري ؟» أجاب هتلر «لا أريد أن أفعل ذلك بهذا الشعب المثقف العظيم»، كما صارح هتلر لبريكر خلال رحلة العودة أنه تلقى العديد من الاتهامات لهُ ، منها أنه متزوج من يهودية يونانية وهي تهمة عقوبتها الموت في ألمانيا النازية .
في السنوات التالية، استخدم بريكر إعجاب هتلر بفنه لمساعدت الآخرين فتدخل للإفراج عن العديد من النحاتين الفرنسيين و العمال والبنائين المسجونين في المعسكرات النازية بحجة حاجتهُ لهم للعمل في استوديوهاته في «جاكلسبروش/Jäckelsbruch» فجمع 100 من الفنانين الشباب أسرى الحرب والحرفيين المهرة من الدول الأوروبية مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ ويوغوسلافيا وأوكرانيا ورومانيا والمجر كما أقام بيوت ضيافة ليعيش بها الفنانين الأجانب وطلاب الدراسات العليا.
رغم ذلك عندما أقام بريكر معرضًا في فرنسا المحتلة قام بزيارتهُ 120 ألف شخص، صرح أعضاء المقاومة الفرنسية الغاضبون بمقاطعتهم للمعرض ومع ذلك فإن العديد منهم زاره سرًا ومن بينهم بابلو بيكاسو، الذي قام لاحقاً بالاتصال ببريكر ثم كتب دراسة عنه في الحفر عالي الجودة على النحاس.
في الأعوام اللاحقة طلب هتلر من بريكر أن يركز طاقاته الإبداعية على تجديد برلين ومن خلال مكانتهُ الفنية المرموقة أصبح بريكر قادر على مساعدة المزيد ممن يتعرضون للاضطهاد لأسباب سياسية أو عنصرية. فأنقذ حياة العديد من الشعراء والكتاب والصحفيين الفرنسيين حتى أنه كان يعتني بـ زوجة وابنة الفنان هنري ماتيس وهو من أنقذ بيكاسو من الاعتقال من قبل الجستابو والترحيل إلى معسكرات الموت.
ورغم أن ذلك عرض حياته للخطر عدة مرات الا ان الكثير ممن انقذهم بريكر لم يعربوا عن امتنانهُم له بعد الحرب، عندما كانت تدينه جميع وسائل الإعلام في العالم . وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب استولت قوات التحالف على استوديوهاته الثلاثة في برلين وجاكلسبروتش وريزن وصادروا كل ما وجدوه كما نهبوا وسرقوا ودمروا ما لا يستطيعون حمله فا 80٪ من أعمال بريكر أما سُرقت أو دُمرت، كما صادرت ألمانيا الشرقية الشيوعية جميع ممتلكات بريكر لاحقًا.
هذا بلا شك واحد من أكثر منحوتات الفنان روعة فقد استخدم أرنو بريكر صورة لبطل رياضة سباق الدراجات الشهير «أندريه ليدوشك/André Leducq» نُشرت في الصحف الفرنسية عندما سقط البطل عن دراجتهُ خلال سباق «جولة فرنسا/Tour de France» تظهر الصورة ليدوشك في ملابس رثة وهو يتسأل حول مصيره، وعلى الرغم من ذلك فقد فاز بالسباق لذلك العام مما يدل على قوة إرادته وهو مقصد الفنان من العمل؛ رغم المصاعب والجراح يمكننا أن ننتصر، صور بريكر العداء عاري ليُماثل تمثال « المفكر» الشهير لأوغست رودان.
لم يُعرض هذا التمثال حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية فكان بمثابة تعبير عن ألمانيا الجريحة التي تحاول استعادة قوتها والنهوض من جديد للفوز بالسباق.
أسم العمل: «الجريح / The Wounded»
أسم الفنان: «أرنو بريكر/Arno Breker»
عام 1938/ برونز/ 147× 125× 118 سم
نشر المقال لأول مرة على صفحة الأكاديمية بوست على فيس بوك